اللهم اشهد اني بلغت .. كنت أتمشى على نهر التايمز فاذا ببصري يقع على رجل كبير جالس على أريكة الحديقة يطعم السناجب مرتديا زي الافندي البغدادي ، فقررت أن أتقرّب منه وأتحدث معه ، فسلّمت عليه وصارحته بأن هذه السدارة جرّتني اليك فهل تسمح لي يا شيخي الكريم بأن أجلس الى جانبكم وأتحدث قليلا وأعدك بأنني لن أزعجك والسناجب، ابتسم الرجل ابتسامة حنونة جميلة مرحبا بي ، جلست بجانبه ولاحظت ارتعاش يديه حين يطعم السناجب فناولني بعض الطعام لاشاركه اطعامها وسألني مامهنتك ؟ فقلت اعلامي ، فقال جميل لي عندك طلب فهل تتفضل بصنعه لي؟ فقلت أنا بخدمتكم ياشيخ ، فقال أرجو أن توصل هذه الامانة الى العراقيين ، فقلت له هل تسمح لي بتسجيلها كي لايفوتني شيء من الامانة حين تأديتها؟ فوافق .. وهنا بدأت التسجيل على هاتفي المتنقل وبدأ حديثه بحسرة عميقة فقال ..
هذه المرة لن أقف على مسافة واحدة من الكتل السياسية كما يقول السيستاني(فلقد بلغ السيل الزبى) بل سأقف قبالتهم وجها لوجه وأقول لهم بصوت عال بأنكم عراة بكل ماتحمله الكلمة من وصف ففي أي بلد في العالم تأخر تشكيل الحكومة حوالي نصف عام؟! وكيف يرضى العراقيون بهذه المهزلة ؟! دماء العراقيين الابرياء تغسل الشوارع ، بلد مدمّر ، خدمات تكاد تكون معدومة ، شعب يعيش نصفه تحت خط الفقر ، ملايين الايتام ، ملايين الارامل ، ملايين تلفهم البطالة، فساد يأكل قوت الشعب أكلا لمّا وأنتم لاهون بتقسيم الكراسي والمناصب لنصف عام تقريبا ؟ أما تستحون ؟ أما تخجلون؟ أما تخشون الله ؟
الا انكم ..
عراة الضمير
عراة الذمة
عراة الغيرة
عراة القيم
عراة الاخلاق
عراة المسؤولية
أنتم ثلة تستحق أن ترمى بالجملة خارج حدود العراق ومن الظلم أن تطأ أقدامكم أرضه الطاهرة، مزقتم العراق الى طوائف وأقاليم والشعب متناغم منسجم وقلبه واحد، لماذا هذا التشبث في المناصب إن كنتم لستم اهلا بها ؟ أما شبعتم من نهب ثرواته واللعب بمقدراته ؟ أكثر من سبعة أعوام عجاف مرّت على الشعب الجريح ومااستطعتم ضبط الامن ولا توفير الخدمات ، لم لا تعترفون بفشلكم وتتركوا الامر لغيركم ؟ الى متى ستبقون متشبثين بمواقعكم ؟ تتسترون على بعضكم بعضا ، جعلتم من العراق مسرحا لتصفية الحسابات الداخلية والخارجية ، كل بلاد العالم تتقدم الى أمام وبكم العراق في تراجع دائم.
(( هنا بدأت عينا الشيخ تدمعان وأخذ صوته يتقطع بنبرة فيها بكاء داخلي )) والعجب كل العجب من الشعب الذي رضي عنكم وسلمكم رقابه ومصائره ! ونقول بأنه رضي عنكم لانه شعب ساكت صامت وكأن الامر لايعنيه لامن قريب ولا من بعيد فلو ثار هذا الشعب ثورة واحدة فلن يبقى منكم على أرض العراق أحداً أبدا ولفررتم فرار العبيد وعدتم حيث كنتم ، فمتى سيثور الشعب بوجهكم ؟ أهو شعب مخدّر ؟ مكبّل؟ نائم؟ لاحول له ولا قوة ؟ أم ماذا تحديدا ؟ متى ستثورون أيها العراقيون الشرفاء بوجه من لايستطيع حمايتكم ويوفر الخدمات ولقمة العيش لكم ؟ لماذا هذا الصمت والسكوت ؟ أأنتم راضون عن حالكم هذا ؟ أم نسيتم ( نامي جياع الشعب نامي حرستكم آلهة الطعام )، إن كنتم كذلك فابقوا صامتين متفرجين وتأكدوا بأن حالكم لن ينصلح الا بثورة عارمة منكم لتصحيح المسارات والا فتأكدوا من أنكم غدا ستحمدون الله على حال اليوم ! لم لا تثوروا ثورة رجل واحد على اختلاف طوائفكم واصرخوا بوجه من ظلمكم وفرّقكم واستهزأ بأرواحكم وسلبكم قوتكم ومستقبلكم ونهب خيراتكم ؟
(( هنا أخرج الرجل منديله ومسح دموعه )) ما أحوج العراق اليوم يا ولدي الى كتلة سياسية وطنية جديدة تزيح هذه الوجوه وتأتي بأخرى مليئة بالغيرة والخبرة والقدرة العالية لادارة زمام الامور في البلاد لتنقذ العراق من كل هذه التخبطات وتضعه على الطريق الصحيحة التي يستحقها هذا البلد العريق ، هل خلا العراق من شخصيات قيادية حقيقية ؟ هل يظنن من في الحكم اليوم بأن أرحام العراقيات عجزت عن انجاب قادة حقيقيين شرفاء وطنيين ؟ أو يظنون بأنهم هم أفضل من في الساحة ولايوجد من هم أكفأ منهم؟
يا أشباه أشباه الرجال ولا رجال جعلتم العراق أضحوكة للعالمين بعد أن كان أسمه يهزّ الشرق والغرب وتنحني له الملوك والامراء والرؤساء والعلماء والمثقفون ، وليعلموا ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ (فرفع الشيخ كفيه الى السماء فقال ) اللهم أشكو اليك زعاطيط السياسة ، فوالله لن تجد فيهم من يعرف مباديء السياسة ، إعلم يا ولدي بأنني عاصرت الملكية والجمهورية ولم يأتِ زمان على العراق أسوأ من هذا أبدا ولن ينهض العراق على قدميه مجددا الا بنهضة من شعبه تهز الارض والسماء ويختار وجوها جديدة شريفة تحكم العراق بالعدل أما هؤلاء فلايعرفون كوعهم من بوعهم ، كيف وصلوا؟ من أتى بهم ؟ والى متى سيبقون؟ آه ٍ ياعراق أهٍ يا عراق آهٍ ياعراق ... يامن تحكمون العراق .. بغداد عروس عروبتكم ؟ ... أنتم عراة عراة عراة.
وهنا توقف الشيخ عن الكلام وقال لي مابك ياولدي؟ هل أزعجك كلامي ؟ فقلت لا.. لك مطلق الحرية في أن تقول ما تعتقد به ، فقال لماذا أرى علامات الاستغراب بادية على وجهك اذا ؟ فقلت فعلا يا عم أنا مستغرب جدا ، فقال من ماذا أنت مستغرب ؟ فقلت مستغرب جدا كيف قرأت أفكاري !!